تقرير واشنطن يُثير التحرك الأمريكي الذي بدأه الرئيس بوش مؤخراً تجاه عملية السلام العربية ـ الإسرائيلية، لاسيما بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني تساؤلاً رئيسياً مفاده: إلى أي مدي تنجح محادثات عملية السلام بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني في ظل عزل وإبعاد حركة المقاومة الإسلامية "حماس" ـ المصنفة على أنها منظمة إرهابية أمريكياً وغربيا ـ، والتي أضحت تتمتع بثقل سياسي بعد فوزها بالأغلبية في الانتخابات التشريعية الفلسطينية أوائل عام 2006. وقد انقسمت الإجابات على هذا التساؤل بين تيارين، أولهما: يدعو إلى ضرورة الالتزام الأمريكي والإسرائيلي بإبعاد وعزل حماس عن أي محادثات سلام وهو ما تتبناه الإدارة الأمريكية، فقد أكد نائب الرئيس الأمريكي "ديك تشيني" في ختام زيارته لإسرائيل والأراضي الفلسطينية ـ الأسبوع الماضي ـ أن حركة حماس تسعى لنسف جهود السلام. هذا، في حين يري التيار الأخر: ضرورة دمجها في محادثات السلام باعتبارها ذات ثقل فلسطينياً. وفي إطار الإجابة على هذا التساؤل يعرض التقرير لحوارين أجراهما "برنارد جورتزمان" Bernard" "Gwertzman من مجلس العلاقات الخارجية مع ستيفن كوك "" Steven A. Cook ، و "هنري سيجمان" "Henry Siegman. الحوار الأول أُجري مع ستيفن كوك "" Steven A. Cook ، المتخصص في قضايا العالم العربي وتركيا، والسياسة الأمريكية تجاه العالم العربي، والعلاقات المدنية العسكرية بالعالم العربي، والصراع العربي ـ الإسرائيلي. وله خبرة بالعمل الأكاديمي، فقد عمل محاضراً بجامعة بنسلفانيا " University of Pennsylvania (2004)" عام 2004، كما عمل باحثاً بمعهد بروكينجز "Brookings Institution" في الفترة من عام 2001 إلى 2002، وبمعهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى " Washington Institute for Near East Policy " في الفترة من عام 1995 إلى 1996. ومؤلف كتاب "يُسيطر ولكن لا يحكم، التطور العسكري والاقتصادي بمصر، الجزائر، وتركيا" "Ruling But Not Governing: The Military and Political Development in Egypt, Algeria, and Turkey". وحالياً مدير مجموعة العمل التابعة لمجلس العلاقات الخارجية المتعلقة ببحث السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الإصلاح في العالم العربي. وهو الآن بصدد تأليف كتاب عن مستقبل العلاقات المصرية الأمريكية. يري "كوك" أن الولايات المتحدة الأمريكية لا تريد أن تشذ عن الرفض الإسرائيلي للحوار مع حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وأن واشنطن لن تنخرط في حوار مع حركة حماس قبل شروع تل أبيب بالحوار معها أولاً. ولذا تجد واشنطن نفسها في مأزق برفضها دمج الحركة في الحوار الفلسطيني ـ الإسرائيلي بخصوص عملية السلام، في الوقت الذي تُسيطر فيه على قطاع غزة، فضلاً عن تمتعها بتأثير متزايد في الأراضي الفلسطينية على حساب السلطة الفلسطينية بقيادة الرئيس "محمود عباس" الذي تتحاور معه واشنطن وتل أبيب. وفيما يلي نص المقابلة: في بداية عام 2006 ألحت الولايات المتحدة الأمريكية على السلطة الفلسطينية إجراء انتخابات، خسرتها حركة "فتح" لصالح نظيرتها "حماس"، التي تصنفها الولايات المتحدة على أنها جماعة إرهابية، ومنذ ذلك الوقت ترفض واشنطن وتل أبيب الحوار مع حركة (حماس). هل تري أنه قد حان الوقت لانتهاج سياسة بديلة؟ في البداية، هناك عدة أخطاء تجدر الإشارة إليها تتمثل في: دفع الفلسطينيين إلى إجراء انتخابات هم غير مستعدين لها. فأي شخص على دراية بالأوضاع على أرض الواقع يعرف جيداً أن حركة فتح لم تكن بالقوة التي تُؤهلها لخوض تلك الانتخابات. لذا حصلت حركة حماس على أغلبية المقاعد بالمجلس التشريعي الفلسطيني؛ مما خولها تشكيل الحكومة. وفي أعقاب ذلك، أري أن سياسة عزل حماس كانت سياسة ناجحة. فحماس حركة إرهابية تريد محو (إزالة) إسرائيل من على الخريطة، فميثاق الحركة يُؤكد على تلك القضية. فهي المسئولة عن وفاة العديد من الإسرائيليين بعملياتها الإرهابية. ولكن هذا نصف السياسة التي يجب على الولايات المتحدة وإسرائيل انتهاجها. فعليهما بجانب عزل الحركة مساندة السلطة الفلسطينية بقيادة الرئيس "محمود عباس" بطرق متعددة منها: الإفراج عن الضرائب التي تجمعها إسرائيل نيابة عن السلطة الفلسطينية، والسماح بالحركة داخل الضفة الغربية، والإفراج عن النساء والأطفال من السجون الإسرائيلية. وبعد سيطرة حماس على قطاع غزة في يونيو (حزيران) الماضي (2007) توجب الإسراع في تنفيذ ما سبق الإشارة إليه من تدعيم رئيس السلطة الفلسطينية والإفراج عن الأموال والنساء؛ للإثبات أن خيار التفاوض الذي ينتهجه محمود عباس أفضل من أسلوب المواجهة الذي تنتهجه حركة حماس. في الأسابيع الأخيرة تزايدت المواجهات العسكرية بين القوات الإسرائيلية وحركة حماس بقطاع غزة الذي تسيطر عليه الأخيرة. ومصر حالياً تلعب دور الوسيط بين الجانبين (إسرائيل وحركة حماس). هل تعتقد أن تلك الجهود سوف تفضي إلى نتائج؟ من غير الواضح أن الموقف المصري سيفضي إلى أي تقدم؛ طالما أن هناك انقسام سياسي وجغرافي بين الفلسطينيين. فالقاهرة منذ فترة طويلة تلعب دور الوسيط بين حركتي فتح وحماس. وهي في موقع متميز للعب دور الوسيط من أجل الوصول إلى حكومة وحدة وطنية جديدة بين حماس وحركة فتح بقيادة محمود عباس. وربما تنجح القاهرة، ولكني أشك بالنظر إلى ما يحدث على أرض الواقع حالياً، على الأقل في إحراز تقدم تجاه تكوين حكومة وحدة وطنية جديدة. ومن المحتمل أن يمتنع الإسرائيليون عن استمرار المفاوضات مع عباس. فقد قالت إسرائيل بدعم من الولايات المتحدة والرباعية الدولية (الأمم المتحدة، والولايات المتحدة، وروسيا، والاتحاد الأوروبي،) أنه يتوجب على حركة حماس التراجع عن لاءاتها الثلاثة: الاعتراف بإسرائيل، وإلقاء السلاح (التخلي عن العنف والقوة المسلحة)، والاعتراف بالاتفاقيات السابقة قبل الحوار معها. وهو ما ترفضه الحركة، فليس هناك مؤشر على قيام حماس بتلك الشروط الثلاثة التي تسبق الحوار. وفي حالة تشكيل حكومة وحدة وطنية جديدة تضم حركة حماس، فإن ذلك يعني الرجوع إلى حالة الجمود في المفاوضات الفلسطينية ـ الإسرائيلية؛ لرفض تل أبيب التفاوض مع الحركة أو حكومة تضم عناصر من حركة حماس. وماذا عن الدور المصري؟ تسعي القاهرة إلى وقف إطلاق النار بسعيها إلى تجميع الفرقاء الفلسطينيين (حماس وفتح) معاً على طاولة المفاوضات. ونظرياً لن يكون هناك عنف، ولكن خلال الستة أسابيع الماضية أو أكثر لم يكن هناك عدد كبير من العمليات المسلحة، فقد دخلت حماس في وقف إطلاق النار أحادي الجانب. وصواريخ القسام التي تتساقط على بلدة "سيدورت" الإسرائيلية تطلقها الجهاد الإسلامي وكتائب شهداء الأقصى التابعتين لحركة فتح. ولكن إسرائيل أخذت موقفاً رافضاً للتعامل مع حماس لأنها تتبني هدف محو وتدمير إسرائيل. هل تعتقد أن موقف حماس يمكن أن يتبدل، أم أنه من الصعب تغيره؟ حركة حماس ليست منظمة متماسكة أو متراصة، حيث هناك انقسام بين الفصائل المنضوية تحت لوائها، فهناك من يرفض الحوار مع إسرائيل، في حين تشير بعض المؤشرات إلى وجود فصائل تبحث عن حلول مبتكرة للتحاور مع تل أبيب، ولكنهم في الوقت ذاته يتبنون مبدأ تدمير إسرائيل للحفاظ على مكاسبهم ووجودهم السياسي فلسطينياً، فتدمير إسرائيل من المبادئ الحاكمة لحركة حماس. وفي حال تخليهم عن هذا المبدأ الحاكم فإنهم سيكونون محل انتقاد وهجوم من أولئك الذين يؤمنون بإخلاص في الكفاح المسلح. حالياً الولايات المتحدة تتعامل مع مصر. وبذلك لدينا الولايات المتحدة وإسرائيل اللتين تتحدثان مع المصريين الساعين إلى الحوار مع حركة حماس؛ من أجل الوصول إلى وقف نهائي لإطلاق النار. ماذا تطلب حماس للرجوع (لوقف إطلاق النار والحوار والالتزام بالشروط الثلاثة السابق الإشارة إليها التي تسبق الحوار)؟ هل يريدون إعادة فتح معبر رفح؟ إنهم يريدون تغيير الوضع القائم للمعابر، ويريدون الاعتراف بهم كحكومة شرعية للشعب الفلسطيني. ولا يعترفون بحل الرئيس محمود عباس الحكومة، باعتباره أنه أمر غير شرعي. وعلى الرغم من رفض إسرائيل رسمياً الحوار مع حماس، إلا أن هناك بعض الشخصيات البارزة في إسرائيل تؤكد أنه لا خيار لدي إسرائيل إلا الدخول في حوار مع الحركة على الأقل؛ لاستكشاف ما يمكن أن يحدث. وحالياً هناك تقارير عن القناة الخلفية بين إسرائيل وحماس عن طريق مصر وهي التي يمكن أن تستمر. ولكن حماس تريد تغيراً في الوضع القائم للمعابر الحدودية، بما يمكنها من فرض سيطرتها على تلك المعابر، ثم إبطال قرار الرئيس محمود عباس بحل حكومة حماس. فحماس تنطلق من أن الولايات المتحدة وإسرائيل تتحاوران مع حكومة غير شرعية بقيادة سلام فياض الذي نعترف به كرئيس وزراء. الولايات المتحدة تضغط بقوة لإحراز تقدم في المحادثات الفلسطينية ـ الإسرائيلية، ولذا فعندما سيذهب الرئيس بوش إلى إسرائيل في مايو (أيار) القادم (2008) سوف يكون هناك عرض ما، أليس كذلك؟ ربما تكون الإجابة بنعم، حيث سيكون هناك دفعاً لإحراز شيئاً عند زيارة الرئيس الأمريكي بوش لإسرائيل في الذكري السنوية الستين لإنشائها، مرة أخري هذا جزءاً من إستراتيجية فطنت إليها مؤخراً لدعم عباس، بناءاً على نظرية أن التضييق على حماس وخنقها، في الوقت الذي ينجح فيه عباس في إدارة الضفة الغربية سوف يُفقد حماس الدعم الشعبي، والذي يقوض من وضعيتها وتأثيرها فلسطينياً،ً وانتقال التأييد الشعبي إلى الرئيس الفلسطيني "محمود عباس". وعلى الرغم من التقارير التي تتحدث عن تبدد الدعم الذي كانت تتمتع به حركة حماس إلا أنه لا يوجد أي دليل على أن السكان الفلسطينيين في غزة ضد حكم حماس. حيث أنهم ينزعون أوقات الأزمات إلى الالتفاف حول أولئك الذين تحت الضغط.. وحماس حالياً تحت ضغط في غزة. في الآونة الأخيرة يُظهر استطلاع قام به معهد خليل شقاقي، أن هناك موجة من الدعم لحماس. في المقام الأول، هذا بسبب الضغوط الإسرائيلية المفروضة على حماس. فهناك فلسطينيين لا يدعمون العنف، لكنهم يقولون "حسنا ما لدينا أي خيار؟"، لذلك يدعمون حماس. أنها معضلة حقيقة، وهذا يذكرني عندما كانت واشنطن وتل أبيب ترغبان في التعامل مع منظمة التحرير الفلسطينية، ولم يحدث تقدم إلا بعد حدوث انجاز بعد حرب الخليج الأولي. أليس هناك فرصة لتعامل الإدارة الأمريكية مع حركة حماس؟. يبدو لي أنها فرصة محفوفة بالمخاطر لأي إدارة أمريكية تغرد خارج السرب الإسرائيلي بشأن قضية التعامل مع حركة حماس. وبالتأكيد فإن الإدارة ستتبع ما يريده الإسرائيليون وما قرروا القيام به في نهاية المطاف. ولكنها ليست على اتفاق مستمر مع الإسرائيليين بشأن تلك القضية. فخلال سنوات حظر الحوار مع منظمة التحرير الفلسطينية كانت هناك جهوداً من جانب الإدارات الأمريكية لاستكشاف المنظمة، ولكن تلك الجهود تم التراجع عنها بشكل سريع. ومن المستبعد جداً أن أي إدارة مهما كان موفقها من هذا الصراع أن تسبق تل أبيب بالحوار والتفاوض مع الحركة قبل قيام الإسرائيليون بمثل تلك الخطوة. |