<$BlogDateHeaderDate$>
إعادة التفكير في حل إقامة الدولتين ...عقبات الحل
تقرير واشنطن - رانيا مكرم
يُعد نموذج الصراع العربي - الإسرائيلي أحد أقدم أشكال النزاعات القائمة في الأساس على احتلال الأرض، في ظل وجود عديدٍ من أشكال الاحتلال والاستعمار حاليًا، ولعل هذا أهم ما يميزه عن غيره من الصراعات، إلى جانب أن آثاره تمتد إلى أبعد من المعنيين به، لاسيما مع وجود تداخل بين مصالح القوى الإقليمية والكبرى مع طرفي الصراع، حتى بات هذا الصراع أحد أهم أسباب الاضطراب في الشرق الأوسط، على الرغم من الاهتمام الذي يحظى به هذا الصراع من قبل الأطراف الدولية كافة.



وفي هذا الإطار يأتي اهتمام معهد واشنطن لسياسةِ الشرق الأدنىthe Washington Institute for Near East Policy – أحد مراكز الفكر الأمريكية الموالية لإسرائيل - بقضية الصراع العربي– الإسرائيلي من خلال هذه الدراسة "إعادة التفكير في حل الدولتينRethinking the Two-State Solution" للكاتب "جيورا إيلاند Giora Eiland" التي تتناول العقبات التي تعترض سبيل تحقيق تقدم في مسيرة المفاوضات بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، وصعوبات إقامة دولة فلسطينية مستقلة. وهو الأمر الذي يطرح من جديد الخيار الأردني كحل بديل، ذلك الخيار الذي يدعو إلى دمج الضفة الغربية إلى الأردن، من خلال إيجاد صيغة اتحادية بشكل ما فيما بينهما، وهو خيار تطرحه الدراسة بحجة عدم واقعية وصعوبة تحقق الخيارات والمطالب الإسرائيلية من جهة والفلسطينية من جهة أخرى.
وقد قَسَّم الكاتب دراسته إلى قسمين تناول الجزء الأول منهما الصعوبات التي تواجه عملية السلام بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، فيما تناول الجزء الثاني الخيار الأردني كبديل لحل الدولتين.




تغيرات ما بعد أوسلو والترتيبات الأمنية :
أشارت الدراسة إلى أن السنوات الثماني التي أعقبت اتفاقية أوسلو قد حملت في طياتها عديدًا من التطورات التي بددت التفاؤل الذي أعقب الاتفاقية، على خلفية تزايد العمليات الاستشهادية ضد الإسرائيليين، لاسيما منذ الانتفاضة الثانية عام 2000، مرورًا بتكّرس الاعتقاد الإسرائيلي بتقلّص قدرة القيادات الإسرائيلية على إحكام القبضة على حركات المقاومة الفلسطينية، على خلاف الرئيس الراحل ياسر عرفات الذي تمتع بولاء قوات الأمن وحركة فتح، بعكس الرئيس محمود عباس، ورئيس الوزراء سلام فياض غير المدعومين من قبل أطياف الشعب الفلسطيني كافة، بالإضافة إلى تدني القدرات العسكرية لقوات الأمن على الرغم من المبالغ الطائلة التي تستثمر في إعدادهم، وتسلل العناصر الفدائية لصفوفها، وانتهاءً باستيلاء حركة حماس على قطاع غزة، وتزايد قوتها خلال السنوات القليلة الماضية.
ففي أعقاب فشل اتفاقية أوسلو تزايد الاهتمام بعامل التهديد الأمني من قبل إسرائيل، كما تزايد الحديث عن أهمية وضرورة وجود ترتيبات أمنية بين الطرفين تقوض استخدام الفلسطينيين لثلاثة أنواع من الأسلحة هي الصواريخ البدائية، والقذائف المضادة للدبابات، والصواريخ المضادة للطائرات، فيما يعد القاسم المشترك بين هذه الأسلحة هو صعوبة وقف تدفقها لأيدي الفدائيين الفلسطينيين، أو السيطرة على آثارها المدمرة، وفي هذا الإطار تشير الدراسة إلى أن اعتقاد إسرائيل في إمكانية حل مشكلة الأمن من خلال اتفاقية دائمة قد تبددت، وبالتالى لم تعد لديها الرغبة ذاتها في الدخول في اتفاقيات مماثلة. وبالمثل مع اعتقاد الفلسطينيين في عدم وجود رغبة لدى الإسرائيليين في الوصول إلى حل عبر التفاوض ونية لإنجاز ما يمكن أن ينشأ التزامات من خلال اتفاقية دائمة، تزيد من تصلب خياراتهم.




غير أن الكاتب يعود ليؤكد على أنه على صعيد ما تم اتخاذه من ترتيبات أمنية بين فلسطين وإسرائيل، أشارت الدراسة إلى أن المشكلات الأمنية بين الجانبين ليس من العسير حلها، لاسيما مع ما يبديه الجانب الفلسطيني من مرونة في هذا الشأن بالمقارنة بالقضايا الخلافية الأخرى.




الحدود وتعثر المفاوضات:
ترجح الدراسة أن تستمر قضية الحدود السبب الرئيس لاستمرار تعثر مفاوضات السلام بين إسرائيل وفلسطين، على خلفية الخلاف حول كيفية تنفيذ العودة إلى حدود عام 1967 في ظل وجود الخلاف حول مشكلتي القدس وحق عودة اللاجئين. في حين تشكل مشكلة الحدود بشكل عام عائقًا أمام الاعتراف الدبلوماسي للدولتين الفلسطينية والإسرائيلية من قبل الدول الأخرى.




كما أشارت الدراسة إلى أن منطقة الشرق الأوسط لا تزال تعاني من وجود عديدٍ من مشكلات الحدود بين دولها، تلك المشكلات التي تلقي بظلالها على استقرار المنطقة، مثل مشكلات الحدود بين العراق والكويت، والمملكة العربية السعودية واليمن، وقطر والبحرين، ومصر والسودان، ومصر وليبيا، وسوريا ولبنان.




أما على صعيد المشكلات الحدودية التي نشأت بين الدول العربية وإسرائيل، فقد أشار الكاتب إلى أن محكمة العدل الدولية قد وضعت حدًّا للخلاف المصري الإسرائيلي حول مدينة طابا، في حين نظمت اتفاقية السلام بين الأردن وإسرائيل إدارة الحدود بين الطرفين، وكذلك انسحاب إسرائيل من الجنوب اللبناني قد خلق واقعًا جديدًا للخلاف حول الحدود بينهما، بينما لا تزال مشكلة الجولان قائمة بين سوريا وإسرائيل.




وبالعودة إلى الحدود الفلسطينية الإسرائيلية، أوضحت الدراسة أن المناقشات حولها الآن مستندة إلى سابقتها حتى عام 2000، والتي بموجبها لن تكون إسرائيل قادرة على الاحتفاظ بأكثر من 3 أو 4 % من الضفة الغربية، كما لن يكون لها مستوطنات على طول وادي الأردن. وهو ما يعني استمرار المراوحة بين ثلاثة أولويات ومصالح إسرائيلية : اعتبارات الأمن القومي، والحفاظ على أكبر عدد من المستوطنات، والحاجة لتقليل عدد الفلسطينيين على الجانب الإسرائيليِ للحدود.




نزع سلاح الدولة الفلسطينية ممكن :
على خلفية اعتقاد الكاتب في أن الاتفاقات الأمنية ليس من العسير التوافق على صيغة مشتركة بين الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني، فإنه يواصل ترجيحه لسهولة التوصل إلى صيغة تفاهم حول طبيعة سلاح الدولة الفلسطينية، حيث يرى الجانب الإسرائيلي إمكانية تكوين الدولة الفلسطينية لقوات عسكرية نظامية دون التسلح ببعض الأسلحة مثل الطائرات والمروحيات المقاتلة، والدبابات، وأي نوع من الصواريخ، وهو ما يمكن أن يوافق الطرف الفلسطيني عليه، غير أنه عاد ليشير إلى صعوبة السيطرة على آليات تنفيذ هذا الاتفاق إذا ما دخل حيز التنفيذ، بسبب سهولة تهريب بل وصناعة معظم الأسلحة التي سيمنع الجانب الإسرائيلي من حيازتها لاسيما على طول شريط نهر الأردن.




وفي هذا السياق يقدم الكاتب خيارين لحل هذه المشكلة، الأول: يتطلب من إسرائيل إحكام الإشراف على الحدود - شريط نهر الأردن- التي يمكن تهريب السلاح منها إلى الداخل الفلسطيني، وذلك من خلال تواجد أمني على الأقل على مساحة 8 -10 كيلومترات. وهو ما يتطلب أيضًا خضوع حوإلى 11 % من أراضي الضفة الغربية للإدارة الإسرائيلية. وهو ما يستبعد قبوله من الجانب الفلسطيني، مما يجبر إسرائيل على اللجوء إلى توكيل الأردن في هذه المهمة، الثاني: اللجوء إلى نشر قوة دولية على طول الحدود. هو أمر مشكوكٌ في جدواه من المنظور الإسرائيلي.




وعلى الرغم من تقديم إسرائيل تنازلاً خلال مفاوضات عام 2000 اعتبر الأكثر جدلاً حينها مفاده تخفيف طلباته بشأن السيطرة على المجال الجوي للدولة الفلسطينية، فإن الكاتب يرجح تغيير هذا الموقف الإسرائيلي والاتجاه ناحية الاحتفاظ بالسيطرة على المجال الجوي للضفة الغربية، لاسيما في ظل التوتر الذي يثيره ملف إيران النووي والحديث بكثافة عن احتمالية ضربة إجهاضية للبرنامج النووي الإيراني من خلال إسرائيل، واحتمالية الرد الإيراني على هذه الضربة، وهو ما يعظم أهمية سيطرة إسرائيل على المجال الجوي لهذه المنطقة التي ستكون قادرة بموجب هذه السيطرة على الرد على أي هجوم جوي آت سواء من إيران أو العراق أو الأردن أو سوريا. في الوقت الذي يتوقع فيه معارضة الجانب الفلسطيني لسيطرة إسرائيل على المجال الجوي للدولة الفلسطينية المأمولة، لاسيما وأن السيطرة على المجال الجوي أحد أهم متطلبات السيادة الوطنية.




وعلي صعيد التواجد الاستخباراتي الإسرائيلي في الضفة الغربية، في ظل تواجد عديدٍ من قواعد الاستخبارات الإسرائيلية حاليًا هناك بهدف مراقبة النشاطات المعادية في الأراضي الفلسطينية وبعض الدول المجاورة. فتتوقع الدراسة أن يطالب الجانب الفلسطيني بإنهاء تواجد هذه المكاتب كمظهر من مظاهر السيادة الوطنية أيضًا، وهو ما سيرفضه الجانب الإسرائيلي أيضًا، وبالتالى سينصب النقاش حول إمكانية وجود أجهزة استخبارات أجنبية على الأراضي الفلسطينية من عدمه وبالتالى من الممكن إيجاد صيغة لتواجد استخباراتي إسرائيلي، على أن يكون التركيز في التفاوض على هذه القضية حول أربعة أسئلة رئيسة هي: كم مكتبًا استخباراتيًّا سيؤسس على الأراضي الفلسطينية؟، لمن ستكون إدارة هذه المكاتب؟، لمن ستكون السيطرة على الحدود والطرق المؤدية لهذه المكاتب؟، وما المدة التي ستمنح للجهات التي ستقوم بفتح مكاتبها من قبل الجانب الفلسطيني؟.




ويشير الكاتب في هذا الإطار إلى أن المسئولين الفلسطينيين سيطالبون بتحديد فترة لتواجد مثل هذه المكاتب على أراضيها، غير أن إسرائيل من جانبها ستصر على أن تكون هذه المكاتب دائمة.




مشكلة المياه عصب الصراع :
في ضوء ما تلعبه المياه من أهمية استراتيجية لعديدٍ من دول العالم لاسيما التي تعاني من أزمة في توفير القدر المناسب من المياه، يتوقع أن تضع إسرائيل قضية المياه ضمن أولوياتها في صراعها مع فلسطين، لاسيما وأن معظم مصادر المياه تتوزع بشكل عشوائي تحت الحدود المتنازع عليها بينهما، مما يعني أن الحفر لاستخراج المياه من جانبٍ يؤثر على منسوب المياه في الجانب الآخر.




ومع العلم بأن 60% من مياه إسرائيل تأتي من الطبقات الجوفية المشتركة بينها وبين أراضي الضفة الغربية، يمكن معرفة حجم أهمية واهتمام إسرائيل بمصادر المياه، إذ بات من أهم أهدافها أن تحمي مصادر مياهها من استخدام الفلسطينيين من ناحية، ومن التلوث من ناحية أخرى. في حين يرى الخبراء أن هذه الأهداف لا يمكن إنجازها من دون التعاون بين إسرائيل وفلسطين.




وفي هذا الإطار تأمل إسرائيل أن تدخل الأردن على خط التعاون في مجال اقتسام المياه بين إسرائيل وفلسطين وذلك من خلال خطة طموحة لبناء قناة لجلب المياه من نهر الأردن، وذلك لتفادي أثر نقص المياه الذي يمكن أن تتعرض له إسرائيل من جراء حفر الفلسطينيين الآبار للحصول على المياه، فعلى سبيل المثال عقب الانسحاب الإسرائيلي من غزة قام الفلسطينيون المدنيون بحفر المئات من الآبار الجوفية دون الحصول على رخص، الأمر الذي أثَّر بالسلب على نسبة المياه المتاحة لإسرائيل.




ويشير الخبراء إلى أنه يتوجب وجود خطة إسرائيلية فلسطينية مشتركة تضمن التعاون في مجالات خلق مصادر مياه جديدة لكلا الطرفين، سواء من خلال تنقية مياه الصرف الصحي، والحفاظ على مياه الفيضانات.




قضية اللاجئين صلب القضية الفلسطينية :
تمثل مشكلة اللاجئين إلى جانب مشكلات أخرى صلب القضية الفلسطينية، حيث بدأت مشكلة اللاجئين عام 1948، وبالرغم من تعدد الإحصاءات واختلافها حول عدد اللاجئين الفلسطينيين، فإن وكالة إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين قد قدرتهم بحوإلى 3 مليون و47 ألف لاجئٍ فلسطيني لجئوا إلى عديدٍ من الدول في الشرق الأوسط، غير أن التجمع الأكبر لهؤلاء اللاجئين في الأردن ولبنان.




ويؤكد "إيلاند" " Eiland" بشأن قضية اللاجئين أن إسرائيل لا تستطيع تجاهل هذه القضية، وأن النزاع مع الفلسطينيين لن ينتهي دون حسم معضلة اللاجئين، وذلك على الرغم من التهديد الذي يمثله حل اللاجئين المقترح من ناحية الفلسطينيين بالنسبة لوجود إسرائيل، حيث من الصعب توقع أن تقبل إسرائيل باستيعاب اللاجئين الفلسطينيين وإعادتهم إلى أراضيهم، وهو ما سيؤدي إلى زيادة الخلل السكاني لصالح الفلسطينيين.




وفي هذا الإطار ترى الدراسة أن حل مشكلة اللاجئين بشكل عادل يقع على عاتق كلا الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي إلى جانب الدول العربية التي تستضيف اللاجئين الفلسطينيين حاليًا. لاسيما مع تمسك الفلسطينيين بوجهة نظر مفادها أن إقامة دولة فلسطينية يتطلب إعادة اللاجئين كافة إلى أراضيهم، كسبيل للتعويض عن خسارة الأرض والممتلكات، في حين لا يمكن أن تقبل إسرائيل عودة ملايين اللاجئين وفق "حق العودة"، التي تفرق بينها وبين العودة الكاملة الفعلية للاجئين، وسط احتمالات قوية ببقاء أغلب اللاجئين الفلسطينيين في الدول التي تستضيفهم الآن بعد استقرار أوضاعهم.




مستقبل القدس عقبة للحل:
يثير حل قضية مدينة القدس عديدًا من العقبات، أولها طبيعتها الجغرافية وتقسيمها، حيث قسمت المدينة بموجب هدنة 1949، إلى القدس الشرقية وتقع تحت سيطرة الفلسطينيين والقدس الغربية تحت سيطرة الإسرائيليين، إلى أن ضمت إسرائيل المدينة كلها تحت سيطرتها في يونيو 1967، وهو ما نتج عنه وجود عديدٍ من العرب لدى إسرائيل الذين يحملون بطاقات هوية إسرائيلية ويتمتعون بحقوق المواطنين الإسرائيليين، ما عدا حق التصويت. ومن هنا نتج أول عائق وهو إعادة تقسيم المدينة.




وفي هذا السياق ثمة اقتراحان لحل هذه الأزمة، الأول : أن تكون المدينة القديمة "منطقة خاصة" تخضع لسيطرة الطرفين معًا وربما لقوة دولية، الثاني : العودة إلى التقسيم القديم، أي أن الجزء الغربي لإسرائيل، والشرقي لفلسطين.




أما العائق الثاني فهو عائق أمني، حيث ترى إسرائيل أن السلطة الفلسطينية ستكون غير قادرة على فرض الأمن في الأجزاء التي يمكن أن تحصل عليها بموجب الاتفاق مع إسرائيل، لاسيما وأنه مع تقسيم المدينة إلى جزأين ستكون هناك عديدٌ من نقاط التَّماس شديدة الحساسية تضم مبنى الكنيست، ومقر رئيس الوزراء، ومقر الشرطة الإسرائيلية، إلى جانب تصاعد المخاوف من سيطرة حماس على المناطق المهمة في المدينة، وهو ما يبرر رفض الإسرائيليين أي تقسيم للمدينة.