<$BlogDateHeaderDate$>
إعادة التفكير في حل إقامة الدولتين...الخيار الأردني كبديل

تقرير واشنطن – رانيا مكرم
في الجزء الأول من عرضنا لدراسة "إعادة التفكير في حل الدولتين Rethinking the Two-State Solution" للكاتب "جيورا إيلاند Giora Eiland" التي نشرها معهد واشنطن لسياسةِ الشرق الأدنى "the Washington Institute for Near East Policy، تناولنا أهم العقبات التي تعترض سبيل تحقيق تقدم في مسيرة المفاوضات بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، وصعوبات إقامة دولة فلسطينية مستقلة، وفي الجزء الثاني من العرض سيتم تناول الخيار الأردني كبديل لحل الدولتين.
حدود العلاقة بين الدولتين
على الرغم من قبول بعض الإسرائيليين فكرة إقامة دولتين ليس اقتناعًا بضرورتها، وإنما كسبيل للعيش في سلام وأمن ورفاهة اقتصادية في مرحلة لاحقة، فإن مجريات المفاوضات وما تبرزه من اختلافات عميقة في الرؤى، قد قللت من سقف توقعات إنشاء دولتين، إذا بات من المتوقع أن تكون المفاوضات المستقبلية بين الطرفين أقرب بالمعادلة الصفرية، بدلاً من أن تكون مشروعًا مشتركًا لتحقيق أكبر قدر من مصالح الطرفين معًا.
وقد أسهم في تكريس هذا التوقع عاملان رئيسان هما: زيادة العنف الموجه ضد الإسرائيليين منذ عام 2000 الذي شهد الانتفاضة الثانية في التاسع عشر من شهر سبتمبر من ذلك العام، وتزايد أعداد الفلسطينيين بشكل ملحوظ. ونظرًا لهذين العاملين أصبح التفكير الإسرائيلي منصبًّا على ضرورة عدم تواجد الفلسطينيين على الأراضي الخاضعة للسلطات الإسرائيلية، حتى أولئك الذين يعملون بوظائف داخل إسرائيل.
وطبقًا لهذه الرؤية فإنه من المحتمل أن تنحصر مجالات التعامل بين الدولتين - إذا ما أقيمت دولة فلسطينية – في مصادر المياه، والقضايا البيئية، وقضايا الأمن، ومصادر الطاقة، وذلك نظرًَا لتوقع أن تعمل السلطة الفلسطينية على تقليل اعتمادها على إسرائيل اقتصاديًّا لاسيما وأن العملة النقدية واحدة، وأن غزة وإسرائيل والضفة الغربية يشتركون في مصرف واحد.
وبالنظر إلى القضايا المرشحة لكي تكون مجالات للتعاون بين الدولتين، يمكن القول: إنها في حد ذاتها قضايا خلافية بين الطرفين، الأمر الذي يعني صعوبة التوصل إلى خيار قيام الدولة الفلسطينية المستقلة. الأمر الذي أتاح الفرصة مجددًا لبروز الخيار الأردني كحل بديل لخيار الدولتين. نظرًا لعلاقة الأردن الوطيدة بالقضية الفلسطينية من الناحيتين الجغرافية والديمغرافية، اعتمادًا على وجود صيغة اتحادية سابقة بين فلسطين والأردن، حينما صوت مجلس النواب الأردني خلال عام 1950، على توحيد الضفة الغربية مع المملكة الأردنية الهاشمية، بالإضافة إلى أن هذا الخيار يحقق بعض الطموحات الإسرائيلية، لاسيما فيما يخص توطين اللاجئين الفلسطينيين واستيعابهم بشكل أكبر في الدولة الأردنية. وجعل مدينة القدس مدينة مفتوحة تضم الثلاث ديانات الإسلام والمسيحية واليهودية.
لماذا الخيار الأردني؟
على الرغم من الرفض الذي قوبل به الخيار الأردني كحل بديل لقيام دولة فلسطينية مستقلة إلى جانب الدولة الإسرائيلية، من الأطراف الثلاثة، لاسيما الطرف الأردني الذي رفض إعادة التاريخ مرة أخرى من خلال ضم الضفة الغربية إلى المملكة الهاشمية، فقد عاد الحديث وبقوة عن إمكانية تحقق هذا الاقتراح، لاسيما بعد ظهور محفز جديد أسهم في العودة القوية لهذا الطرح وهو صعود حماس، واستيلائها على الحكم في غزة، إذ بات الأردن متخوفًا من إمكانية سيطرة حماس على الضفة الغربية إذا ما قامت دولة فلسطينية مستقلة كما حدث في غزة، لاسيما وأن صعود حماس قد اقترن بنمو تأثير الأخوان المسلمين في المملكة الأردنية، مما يعني أن حكم حماس على الحدود الأردنية المباشرة يمكن أن يؤدي إلى تغيير النظام الحالى في عمان.
وفي إطار إدراك الخطر الذي بات يهدد النظام الأردني إذا ما حكمت حماس، بدأ عديدٌ من المفكرين الأردنيين يروجون لفكرة أن ضم الضفة الغربية إلى الأردن كسبيل وحيد لتقويض أي تحالف محتمل بين حماس في الضفة الغربية، والفلسطينيين في عمان الذين باتوا يشكلون أغلبية في الأردن.
أما على الصعيد الفلسطيني فتشير الدراسة إلى أن كثيرًا من الفلسطينيين باتوا يؤيدون هذا الاقتراح أيضًا، نظرًا لصعوبة استقرار نموذج الدولة الفلسطينية المستقلة – إذا ما قامت بالفعل- وفي حالة عدم الاستقرار هذه سيكون من السهل على حماس السيطرة على الدولة الجديدة، في الوقت الذي يفضل فيه الفلسطينيون المعتدلون العيش تحت نظام أردني بدلاً من حماس. وعلى الرغم من رفض السلطة الفلسطينية ممثلة بحركة فتح لفكرة اندماج سلطتها مع الأردن وفق أي مشروع إقليمي أو دولي قبل قيام الدولة الفلسطينية المستقلة ثم تقرير الانضمام إلى الأردن من عدمه وهو ما يمكن فهمه في إطار عدم رغبة الحركة في خسران السلطة، فإن القيادة في فلسطين تظل أقلية بالمقارنة بالأغلبية الصامتة التي تريد حل القضية الفلسطينية وفق أي نموذج وهي بالتالى لا ترفض الخيار الأردني نظرًا لرغبتهم العارمة في حياة أفضل.
وعلى الصعيد الإسرائيلي، فيعد الخيار الأردني هو الحل المقبول الوحيد المقابل لرفض قيام دولة فلسطينية مستقلة، حيث تشير الدراسة إلى أن الأحزاب الإسرائيلية في أغلبها لا تريد قيام دولة فلسطينية مستقلة إلا كمقدمة للاتحاد مع الأردن وفق نظام فيدرالي.
ويكفل تنفيذ هذا الاقتراح لإسرائيل حل المشكلات العالقة في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني وعدم تكبد أعباء حلها إذا ما قامت دولة فلسطينية مشتركة، إذ سيعمل هذا الاقتراح على تخليص إسرائيل من مشكلة استيعاب الأعداد الكبيرة من اللاجئين الفلسطينيين، وكذلك إنهاء مشكلتي القدس والمستوطنات، كما أن ضم الأراضي الفلسطينية التي ستتخلى عنها إسرائيل إلى الدولة الأردنية سيضمن لإسرائيل سيطرة السلطات الأردنية على الفلسطينيين من خلال سلطة مركزية قوية، مما يوفر لها – أي إسرائيل- عامل الأمن المفقود الآن، بالإضافة إلى أن خضوع الأراضي الفلسطينية لسلطة مركزية أردنية سينقل الهاجس الديمغرافي من إسرائيل إلى الأردن.
ففي السنوات الأخيرة ظهرت حقيقتان أساسيتان بشأن الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، أولهما : أن الصراع قد أنشأ جوًّا من التناقض والتعارض والاضطراب على الأرض الواحدة، ثانيهما : أن حل الصراع ممكن طالما التزم أطرافه بتنفيذ ما تم الاتفاق عليه أو قبول الخيار المطروح.
وترى الدراسة أن الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي يختلف نوعيًّا عن النزاعات الأخرى في العالم، مثل النزاع بين الهند وباكستان على كشمير، بل والصراع بين سوريا وإسرائيل على مرتفعات الجولان، وذلك في ثلاثة أوجه على الأقل:
أولها: أن الشعب الفلسطيني يعيش تحت الاحتلال وفق شروط باتت غير مقبولة دوليًّا وإقليميًّا.
ثانيها: أن إسرائيل غير قادرة على ترسيم الحدود بشكل قاطع ونهائي حتى ينتهي الصراع.
ثالثها: أن للصراع الفلسطيني- الإسرائيلي عديدًا من التداعيات الدولية والإقليمية. كما أنه يتأثر أيضًا بالتطورات التي تفرز في محيطه الإقليمي، والدولي.
وفي هذا الإطار ترجع الدراسة أسباب فشل المفاوضات الحالية، وبالتالى الفشل في الوصول إلى حل الدولتين، ومن ثم اللجوء إلى الخيار الأردني إلى وجود أربع عقبات أساسية، وهي:
أولاً: وجود حماس وبهذه القوة الحالية، وحتى مع فقدانها الأغلبية في البرلمان، وكذلك سيطرتها على غزة، يمكنها من القدرة ما يكفي لنسف أي عملية دبلوماسية. حيث ستحتفظ حماس بتأثيرها على الفلسطينيين لاسيما في غزة، إلى أن يقدم الفلسطينيون أنفسهم رؤيتهم لحل الأزمة، في الوقت الذي يعتبر فيه الفلسطينيون أن إقامة الدولة الفلسطينية في الضفة الغربية وغزة فقط لا يعد حلاًّ للأزمة.
ثانيًا: تعثر المفاوضات وذلك ناتج عن تبني الطرفين وجهتي نظر مختلفتين ومتضادتين على طول الخط ، فعلى الجانب الإسرائيلي، يصر الإسرائيليون على ضرورة نزع سلاح المنظمات الفلسطينية وحل مشكلة الأمن كشرط أساسي لبدء المفاوضات. في حين يصر الجانب الفلسطيني بدوره على إبداء عدم وجود النية في إقناع وحث هذه المنظمات على نزع سلاحها أو تخفيضه حتى يتم الالتزام بالجدول الزمني كحل شامل للأزمة.
ثالثًا: صعوبة تجسير الفجوات. فمنذ عام 2000 تحولت المفاوضات بين الطرفين لمعادلة صفرية، أي أن طرفًا خاسرًا أمام طرف حقق المكاسب كافة، فنظرًا لاعتبارات البقاء السياسي عملت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة على تبني استراتيجية واحدة مفادها أن الحد الأعلى لقبول الحكومة الإسرائيلية لعرض فلسطيني هو الموافقة على الحد الأدنى من هذا العرض. الأمر الذي قلص من حافز الطرفين للمضي قُدمًا في المفاوضات.
رابعًا: افتراض إمكانية تحقق المستحيل. وذلك من خلال تخيل إمكانية حل المشكلات الثلاثة السابقة وبالتالى إنجاز اتفاقية سلام شاملة تضمن فيما تتضمن إجلاء 100 ألف إسرائيلي من الضفة الغربية، وحتى مع حدوث ذلك الاحتمال بالفعل تبقى عقبتان أمام نجاح قيام الدولة الفلسطينية على الأقل وهما أن الدولة الفلسطينية لن تكون فاعلة، كما لن تكون الحدود التي ستطرحها إسرائيل مقبولة، وهو ما يدفع إلى زيادة موجات العنف بين الجانبين.
البعد الإقليمي للخيار الأردني.
في ضوء تشابك وتشعب الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، تظهر أهمية تدخل بعض الأطراف الإقليمية وإسهامهم في إنجاز حل لهذا الصراع، وعلى رأس هذه الأطراف كل من مصر والأردن والمملكة العربية السعودية.
وفي هذا الإطار يشير الكاتب إلى أهمية دور مصر، التي يجب عليها - من وجهة نظره – أن تقوم بنقل السيادة على منطقة جنوب غزة على طول ساحل البحر المتوسط إلى الدولة الفلسطينية الجديدة، وهي مساحة تقدر بحوإلى 600 كيلو متر مربع، وهو ما سيوفر مساحة كافية لاستيعاب أعداد الفلسطينيين، وإقامة مطار كبير في المنطقة الجنوبية الغربية على بعد من الأراضي الإسرائيلية.
أما بالنسبة للأردن، فيرى "إيلاند Eiland" أن عليه أيضًا نقل السيادة على المنطقة القريبة من نهر الأردن إلى الدولة الفلسطينية، بهدف استيعاب الفلسطينيين أيضًا وكتعويض لهم عن ضم الأراضي الفلسطينية.
وبالنسبة لإسرائيل، فطبقًا للكاتب ستعمل على نقل سيطرتها على المنطقة الواقعة في جنوب صحراء النقب على طول حدود سيناء، كما ستسمح إسرائيل بحفر نفق يمر بأراضيها شمال مدينة إيلات يصل إلى الأردن ومصر، ويكون هذا النفق خاضع للسيطرة الكاملة لمصر، على أن يرتبط هذا النفق بشبكة طرق حديدية، وأنابيب لنقل النفط والغاز، وفي الوقت ذاته سيسمح هذا النفق للأردن أن تصبح محطة عبور للصادرات إلى العالم الخارجي في الوقت الذي لا تمتلك فيه الأردن ميناءً على ساحل البحر الأبيض المتوسط.
أما الدولة الفلسطينية فستتسلم ما يقرب من 105% من أراضي 1967، وهو ما سيسهم في حل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين، واستيعاب الهجرات المستمرة إلى داخل الدولة الأردنية بسبب ضيق سبل العيش في غزة والضفة الغربية.
تلاقي المصالح في حل القضية الفلسطينية.
أشارت الدراسة إلى أن الوسطاء في النزاع لديهم ما يكفي من الأسباب لدعم حل النزاع، حيث إن المجموعة الدولية من مصلحتها أن تعيد توجيه الأموال التي توجهها للمساعدات الإنسانية الأساسية إلى الشعب الفلسطيني، في بناء القدرات الاقتصادية لدولهم، أو حتى على الأقل توجيه المساعدات للشعب الفلسطيني بشكل أكثر فاعلية، فبدلاً من اقتصار المساعدات على الغذاء. فيمكن أن تتعدد المساعدات في صور آلات ومعدات تساعد الفلسطينيين على الارتقاء بمستوى معيشتهم.
ومن ناحية أخرى يؤثر الصراع الفلسطيني الإسرائيلي على العلاقات بين دول العالم الإسلامي والدول الغربية، وذلك من خلال زيادة المشاعر المعادية للغرب في العالم الإسلامي، وتزايد التخوف في الغرب من المسلمين، كنتيجة لما تتخذه الجماعات الإسلامية من مواقف استنادًا إلى الاحتلال الإسرائيلي لأراضي فلسطين والعنف الإسرائيلي المتزايد من وقت لآخر.
وعلى الرغم من تلاقي المصالح بشكل أو بآخر بين الأطراف الإقليمية والدولية في حل الصراع الفلسطيني، فإن الكاتب قد أنهى دراسته بالتأكيد على أهمية عدم الاعتقاد في تأثر النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي بأي صراع آخر في منطقة الشرق الأوسط ، فعلى عكس الاعتقادات السابقة، ليس بالضرورة أن تؤثر اتفاقية سلام إسرائيلية سورية – محتملة – على مجريات المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية إيجابيًّا، أو أن يؤثر حل الصراع على الوضع في العراق، غير أن حل الصراع قد يؤدي إلى تخفيف حدة المشكلات التي تواجهها المنطقة، لاسيما تلك المشكلات التي يؤججها هذا الصراع، مثل أزمات التعامل مع إيران، وحزب الله في لبنان.